الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة من مراسلنا الخاص بمهرجان كان: قراءة في 4 أفلام من فرنسا ومصر وفلسطين وبريطانيا

نشر في  13 ماي 2016  (10:41)

بقلم الناقد طاهر الشيخاوي- مراسلنا من مهرجان كان 

كان يمكن مواصلة مشاهدة كل الأفلام المبرمجة ليوم الخميس 12 ماي في اطار الدورة 69 لمهرجان كان السينمائي، ولكن لزم التوقف قليلا للكتابة وبالمناسبة للإستعاب ما تراكم في ذهني من صور:

أربعة أفلام إذا: اثنان في المسابقة الرسمية واثنان في قسم «نظرة ما»:

«البقاء عموديا» للمخرج الفرنسي آلِن غيرودي: غوص مادي وفج في عالم الحواس والجنس

لنبدأ بالمخرج الفرنسي آلِن غيرودي وفيلمه «ريستي فيرتيكال» ويمكن تعريبه بـ«البقاء عموديا». كان غيرودي حاضرا منذ سنتين في قسم «نظرة ما» بعمل «رجل البحيرة »، لقي قبولا حسنا لدى النقاد. ومن الأرجح أن يكون الأمر كذلك أيضا هذه السنة، فـ«البقاء عموديا» يختلف اختلافا كبيرا على السينما الفرنسية المعهودة التي عرفت بطغيان الحميمية والسيكولوجية.

تدور أحداث الشريط في غرب فرنسا بين منطقة بريطانيا ولوزير أغلبها في محيط ريفي. ليو شاب يشتغل في السينما، يتنقل في أنحاء ريف فرنسا القريبة من مدينة بريست بحثا عن شخصية يرتكز عليها في كتابة سيناريو، ولكنّ بحثه يأخذ منحى وجوديا يبعده عن مقتضيات المهنة فيغرق في مغامرة  إنسانية عميقة، يرتبط بفتاة راعية ينجب منها طفلا ويتعرف على شخصيات أخرى ريفية (شاب وكهل وشيخ) حتى ينتهي به الأمر إلى المكوث في الريف لرعاية الأغنام وحمايتها من الذئاب.

الطرافة في مغامرات الشاب تتمثل في طبيعة علاقاته مع الشخصيات البدوية والطبيعة المحيطة بها، فهي مزيج من التجربة الإجتماعية والبحث الإنساني بعيدا كل البعد عن الإعتبارات السيكولوجية، هي غوص مادي وفج في عالم الحواس والجنس. عالم يطغى عليه البعد الوجودي كان هامشُ الغموض فيه فضاءً للإستكشاف السينمائي.

«أنا دانيال بلاك» للمخرج البريطاني كان لوتش: انتقاد للحيف الإجتماعي وسخط على قساوة النظام الرأسمالي

 الفيلم الثاني لكان لوتش المخرج البريطاني المشهور، وهو من «زبائن» المهرجان، لم يفاجئ الجمهور. «أنا دانيال بلاك» شريط إجتماعي بإمتياز يحمل هواجس المخرج المعتادة: انتقاده للحيف الإجتماعي وسخطه على قساوة النظام الرأسمالي وتعاطفه مع الفئات الفقيرة في المجتمع.

كان لوتش أعلن أنه سيتوقف على النشاط السينمائي ولكن ربما ما تعرض له أخيرا العاطلون عن العمل من حملات في الصحافة البريطانية اليمينية من أنهم يستغلون صناديق التضامن الإجتماعي دفعه إلى الرجوع إلى السينما، فقدِم للمهرجان بقصة مثيرة للغاية تروي صعوبات كهل نجار أجبرته حالته الصحية على التوقف عن الشغل ثم يتعرض لتعقيدات الإدارة وعدم تفهمها للمواطنين وخاصة منهم من لا يحسن تقنيات المعاملات عن طريق الأنترنيت.

كعادته لم يقتصر كان لوتش على استعراض تفاصيل عراقيل الإدارة استعراضا مدهشا بل ساقها في قالب روائي رومنسي محكم مبني على تعاطف مطلق مع المظلومين لم يترك فيه للمتفرج مجالا للإفلات من التماهي الكامل مع شخصية دانيال بلاك، وقد يعاب على كان لوتش متاجرته بمشاعر ذنب المتلقي وإن كان ذلك  ببلاغة لا تخلو من الرقة.

«اشتباك» للمخرج المصري محمد ذياب: مراوحة بين السياسي والإنساني في الشأن المصري

الفيلم الثالث فيلم مصري لمحمد ذياب صاحب «نساء الباص 678» المشهور. فيلم ملتصق أيضا بمشاكل مصر الحالية. «اشتباك»، وهو عنوان الفيلم، عمل سياسي تدور أحداثه بعد المظاهرات التي أطاحت بالرئيس مرسي وافتكاك الجيش لمقاليد الحكم.

يختار محمد ذياب سيارة ترحيلات أمنية كفضاء أساسي، وهو أهم جانب في العمل لما يمثله ضيق المكان من صعوبة في الإخراج السينمائي. مجموعة من الشخصيات، ترمي بها قوات الأمن داخل السيارة، تنتمي لتيارات سياسية مختلفة من بينها اليساري والإخواني والليبرالي.

تجمعهم السيارة وتفرقهم السياسة فتراهم يتنازعون في تفاعل مستمر مع المواجهات العنيفة التي تدور بين المتظاهرين وقوات الأمن ولكنهم أيضا يجدون أنفسهم مضطرين أحيانا إلى التفاهم والتقارب، فأهمية العمل تتمثل في المراوحة بين السياسي والإنساني مراوحة تخلق مسافة مع التشنج الأيديولوجي لتتغلب في آخر الأمر الأبعاد الإنسانية على الإعتبارات السياسية.

ولكن أهم ما جاء في الفيلم هو أداء التصوير، فالكتابة السينمائية لا تحتمل بسهولة ضيق المكان خاصة في حالة الإكتضاض، ولا بد من الإقرار بقدرة المخرج على تجاوز الصعوبة خاصة أن عدد الشخصيات لا ييسر الأمر. ولكن الفيلم، في نفس الوقت، لم يتخلص من فخ الرمزية التي انغلق فيها إلى حد انسداد آفاق الموضوع.

«أمور شخصية» للمخرجة الفلسطينية مهاء حاج: رسم لملامح من المجتمع الفلسطيني

أما الفيلم الرابع فهو من إخراج السينمائية الفلسطينية مهاء حاج، ويروي حكايات بسيطة  لأجيال مختلفة. قراءة دقيقة وطريفة لما يشوب العلاقات الزوجية من عطف وسوء تفاهم، «أمور شخصية» يرسم بلطف ملامح جزء من المجتمع الفلسطيني المقرب من المخرجة، لا «يعالج» قضايا الشعب بقدر ما يرصد تفاصيل من الحياة اليومية لعائلة بذاتها، تفاصيل وجزئيات تكمن أهميتها في طرافة نظرة المخرجة، وتعاطفها الدافئ الذي لا يخلو من دعابة وسخرية خفيفة تنم عن دقة وعمق في الإهتمام بالذات البشرية، ولكن يصعب عدم الإشارة إلى ما يحمله الشريط من روح سينما ايليا سليمان، فالأسلوب قريب جدا من أسلوب مخرج «الزمن الباقي»، أمر لم تخفه مهاء حاج التي تنهي الشريط بتحيات خاصة لسليمان.